الأحد، 8 فبراير 2009

ل موضوع ينتقد الكفايات وأسسها النظرية

. الأحد، 8 فبراير 2009
0 commentaires

مقالات و مستجدات تربوية وتعليمية مغربية ...... مقالات و مستجدات تربوية وتعليمية مغربية
 أول موضوع ينتقد الكفايات وأسسها النظرية من خلال بسط واقعي وموضوعي .
الأستاذ عبد الوهاب عمري
لم يعرف قطاع التعليم في تونس فترة من عدم الاستقرار – وصلت حد الفوضى- كهذه التي يعيشها الآن والتي امتدت لما يقارب العقدين تحت لافتة: إصلاح التعليم. ولئن كان لمسعى اصلاح التعليم مبرراته الداخلية فان ما يطرح اليوم كبديل للنظام التربوي "القديم" لا يمكن فهمه أو فصله عما يحدث عالميا من استهداف لهذا القطاع الهام بدأ في الولايات المتحدة وكندا منذ أواسط السبعينات على إثر الأزمة الاقتصادية. فقد برزت هناك حركات قوية كحركة Back to Basics" " تدعو إلى مراجعات ومقاربات هي اليوم عناوين لحملة إصلاح التعليم في العالم والتي يقودها البنك العالمي ومنظمة التجارة العالمية ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بدلا عن المنظمة المختصة في هذا الشأن أي منظمة اليونسكو.
لقد أصبح واضحا اليوم الهجوم المنظم الذي تقوده الدوائر المالية الاحتكارية على قطاع الخدمات العمومية بعد أن تمكنت من السيطرة على القطاع الصناعي وذلك استنادا على المبدأ الليبرالي الداعي إلى تقليص دور الدولة وتحويلها إلى حارس مطيع وخادم أمين للاحتكارات العالمية تهتم بالعدل والدفاع والأمن، وتترك الحرية التامة لقوى السوق في ما عدا ذلك وهي ذات المبادئ والقيم التي تسعى الولايات المتحدة لتعميمها وفرضها عالميا بكل الأساليب والطرق. ويأتي التعليم في صدارة القطاعات المستهدفة إذ "بلغت مخصصاته السنوية في العالم ألفي مليار دولار أي ضعف السوق العالمي للسيارات وهو ما يسيل لعاب الكثير من المستثمرين الباحثين عن التوظيف المأمون والمثمر". وبما أن خصخصة هذا القطاع الضخم دفعة واحدة عسيرة الآن ولا يمكن تصورها، وهو ما تدركه جيدا هذه الدوائر(الدوائر المالية)، فهي تعمل حاليا على خلق الظروف المادية والهيكلية والبيداغوجية لذلك متبعة نصائح السيد موريسون.
ففي وثيقة لقسم الدراسات في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OCDE وبعد أن استعرض السيد كريستيان موريسون، أثناء حديثه عن التعليم، الاختيارات التي يجب تجنبها، يقول موجها حديثه للحكومات: "... بعد هذا الوصف للإجراءات الخطيرة، نستطيع على العكس من ذلك النصح بتدابير لا تخلق أي صعوبات سياسية... فعند خفض نفقات التسيير، يجب الحرص على عدم خفض كمية الخدمة حتى وإن أدى ذلك إلى تدهور نوعيتها. مثلا يمكن تقليص اعتمادات عمل المعاهد أو الكليات ولكن سيكون من الخطر تقليص عدد التلاميذ أو الطلبة فالأهالي سيردون الفعل بقوة عند رفض تسجيل أبنائهم لا عندما يقع التخفيض المتدرج في جودة التعليم ففي هذه الحالة قد تتحصل المدرسة وبشكل تصاعدي على مساهمات ظرفية من الأولياء أو توقف بعض أنشطتها وسيحدث ذلك في حالات متفرقة في هذه المدرسة وليس في الأخرى المجاورة وبصورة تجنب الاستياء العام." 
وتبعا لذلك نلاحظ أن الهجوم على التعليم كمرفق عمومي يتخذ العديد من الوجوه والأشكال التي قد تبرز في بعض الحالات بوجه موضوعي وحتى تقدمي فتجر معها قطاعات لا مصلحة حقيقية لها في مسايرة ما يطرح. فحمى إصلاح التعليم في العالم الآن تبرر بالقضاء على الفشل المدرسي وملاءمة التكوين مع متطلبات سوق الشغل، لكن أن تقع محاربة الفشل الدراسي بتقنين عدم الرسوب والنزول بالضرورات والمعارف إلى أدنى حد فذلك يطرح أكثر من سؤال حول جدية هذه الإصلاحات وغاياتها.
إن ما يسوّق الآن تحت راية إصلاح التعليم هو عبارة عن تعليمات وإجراءات تهدف أساسا إلى إدخال الاضطراب على المنظومة التربوية (بمعنى إدخال المرونة على القوانين المنظمة لها) و"تبضيع" التعليم (جعل التعليم بضاعة) ولبرلته تمهيدا لانسحاب الدولة وتقليص دورها في هذا القطاع وفتح المجال واسعا أمام انتشار وسيطرة التعليم الخاص. فالبنك العالمي عرّاب هذا الإصلاح في الدول النامية يرى أنه: "رغم أن الدولة مازالت تقوم بدور مركزي لتوفير الخدمات الأساسية: تربية، صحة... فليس بديهيا أن تكون هي الوحيدة التي تقدم ذلك لا بل حتى أحد المقدمين لهذه الخدمات". أما منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية فإنها ترى أن يقتصر دور المدرسة العمومية على "ضمان تعلّم الذين لا يمكن أن يكوّنوا سوقا مثمرة والذين هم عرضة للتهميش ".. 
ويندرج "الإصلاح التربوي الجديد" التونسي، والذي يمثل امتدادا لإصلاح 1991، ضمن هذه الحملة العالمية إذ تمول المجموعة الأوروبية إصلاح التعليم الأساسي في حدود الـ 40 مليون أورو للفترة 2001/2004 ثم إن الوثيقة التي وزعتها وزارة التربية والتكوين حول "مدرسة الغد" تقر بذلك فـ: "... مع نهايات القرن العشرين وما تقتضيه تحديات العولمة من تأهيل شامل للعقليات وللمؤسسات ولوسائل الإنتاج، تجدّد الاهتمام بالمدرسة وبرسالتها وفق شروط المرحلة الجديدة ...".
ويمكن حصر أهم المحاور التي ترتكز عليها هذه الإصلاحات في:
-توفير حد أدني من التعليم للأطفال في سن الدراسة:
يرى البنك العالمي أن الأولوية في البلدان النامية يجب أن تكون لمحاربة الأمية وعليه فهو يقترح على حكومات هذه الدول أن توجه الاعتمادات بشكل مكثف إلى التعليم الأساسي وأن تعمل على تعميمه وتحافظ على مجانيته وفي مقابل ذلك – وحتى لا ينسى البنك دوره كـ"مستشار لدى الحكومات حول خصخصة الخدمات" حسب مديره السيد بيتر وويكه – فهو يدعو، لمجابهة نقص مخصصات مراحل التعليم الأخرى، إلى إدخال "دفع انتقائي لرسوم دراسية في مستوى التعليم الثانوي" و "لرسوم تسجيل في كل مؤسسات التعليم العالي". وقد تبنت تونس مشروع المدرسة الأساسية وشرّع قانون 1991 إجبارية التعليم الأساسي من سن السادسة إلى سن السادسة عشر كما أقر القانون نفسه في الفصل 24 والقانون التوجيهي للتربية والتعليم المدرسي (الجديد 2002) في الفصل 36 رسوم التسجيل الانتقائية إذ "تتكون موارد المدارس الإعدادية والمعاهد ... من ... ومن المقابيض المتأتية من رسوم التسجيل التي يمكن توظيفها على التلاميذ الذين تمكنهم مداخيل أوليائهم من دفعها،..." هذه الرسوم القانونية المسكوت عليها اليوم، لاشيء يمنع المطالبة بها غدا خاصة عندما يدخل "مشروع المؤسسة" حيز التطبيق وتنضب الإعانة التي قدمتها المجموعة الأوروبية لدعم إصلاح المدرسة الأساسية أما عن رسوم التسجيل في التعليم العالي وفي بعض المراحل منه خاصة فقد تضاعفت عشرات المرات.
2-تخفيف البرامج واعتماد المقاربة بالكفايات:
لم يكن البنك العالمي وهو يدعو إلى تعليم أساسي إجباري ومجاني ويموّل (أو يدعو الدول المانحة للإعانة إلى تمويل) ذلك في بعض بلدان العالم الثالث، يقف إلى جانب شعوب هذه الدول بل كان يرمي من وراء دعوته إلى فتح التعليم الثانوي والجامعي أمام الاستثمار الخاص وملاءمة التكوين الأساسي مع متطلبات سوق الشغل في جانبه "الهش" (les emplois précaires ) فهو في هذه الدعوة يقترح نوعا من "السميق" التعليمي لكل من دخل المدرسة. فإلى جانب الكفايات الأساسية: قراءة -كتابة- حساب يضيف كفايتين: التواصل في لغة أجنبية أو اثتنين والمقدرة على التخاطب البسيط والحدسي مع الحاسوب والتأقلم مع برامجه وهي تقريبا المؤهلات التي تحتاجها المهن الهشة (الباعة، الحراس، معاونو الصحة، أعوان الصيانة، أعوان الاستقبال، السواق، مزودو آلات توزيع المشروبات والتغذية ...) والتي ستشهد أعلى نسبة تطور خلال العشرية 98/2008 في الولايات المتحدة مثلا. ولأن المقاربة بالكفايات (في جانب منها) تضع اكتساب الكفايات في المقام الأول وتجعل من المعرفة إحدى أدوات هذا الاكتساب فقد جعل منها البنك العالمي الحامل لتجسيد مشروعه: توجيه المدرسة نحو إنتاج سلع جديدة سميت "الموارد البشرية". 
في تونس ولـ "مواجهة الإخفاق المدرسي وتدني جودة مكتسبات التلاميذ" ولـ"تمكين المتعلمين من قاعدة تكوين مرنة ومن مؤهلات عريضة تضمن شروط تشغيليّتهم الدائمة" وقع اعتماد المقاربة بالكفايات في المدرسة التونسية ذلك أنها "الحل الأكثر وجاهة اليوم والأكثر راهنية، اعتمدته العديد من البلدان المتقدمة" كما جاء في وثيقة "برنامج البرامج". وبغض الطرف عن البلدان التي اعتمدت المقاربة بالكفايات (متقدمة كانت أو متأخرة)، وعلى افتراض وجاهة هذا الاختيار وخاصة مناسبته للغرض الذي أعتمد من أجله (وهو في حاجة إلى برهان) فإن الظروف والشروط التي تعمل فيها المدرسة التونسية الآن (اكتظاظ الأقسام، ضعف تأطير التلاميذ، قدم الأثاث والوسائل البيداغوجية، غياب الحوافز وضبابية الأفق، تهميش وتفقير الإطار التربوي...) تجعل تطبيق هذه المقاربة صعبا للغاية إن لم يكن مستحيلا ذلك أن منظري هذا التمشي يعتبرونه ثورة وليس إصلاحا. فهذا أحدهم فيليب بيرينو يحذر ويقر بأن"التصور السيئ والتطبيق الوسطي للمقاربة بالكفايات يمكن أن يفاقم اللامساواة في الدراسة" وأنه "إذا لم يقع تغيير مجالات أخرى في المنظومة التربوية ووقع الاكتفاء بتحوير البرامج واللغة المستعملة للحديث عن أهداف المدرسة فإن المقاربة بالكفايات لن تكون أكثر من نار قش". والتطبيق التونسي لهذا الإصلاح اقتصر تقريبا على الجانب "البيداغوجي" والذي لا يتطلب الاستثمارات المالية: تخفيف البرامج وإعادة صياغتها على أساس الكفايات بدل المعارف حيث "لم يعد لنا مبرر في تعليم المعارف من دون التفكير في الغاية أو المنفعة المرتجاة من ورائها"!. إلا أن ما حصل في بداية هذه السنة من تراجع في اعتماد المقاربة بالكفايات في السنة الأولى ثانوي وفي تنفيذ "مشروع المؤسسة" يؤشر إلى مأزق نقل التجارب والامتثال للضغوط والإملاءات ولدخول المدرسة مرحلة اضطراب قد تفقد ثقة الأولياء فيها نهائيا، كما يدل على المثالية التي طبعت فهم بعض الإطارات التربوية للمقاربة بالكفايات والذين اكتفوا بالنظر فقط إلى الوعود السخية التي تبشر بها هذه المقاربة.
3-دعم اللامركزية وتمكين المؤسسات التربوية من استقلالية متنامية
لئن كان لقليل من الاستقلالية واللامركزية في التعليم بعض الإيجابيات خاصة في البلدان الكبيرة أو تلك التي بها أقليات اثنيه فإن ما تطرحه اليوم المؤسسات المالية الاحتكارية العالمية وتدفع إليه بعيدا كل البعد عن ذلك فهو يندرج ضمن مخططها لـ "إدخال أكبر قدر ممكن من المرونة على المنظومة التربوية" وتقليص دور الدولة فيهالتسهيل الانقضاض عليها. وليس صدفة أن يتطابق ذلك مع مشروع غلاة الليبرالية في أمريكا إذ أن "التطور المدرسي المحلي" هو أساسا بدعة أمريكية حيث دعا ريغن في حملته ضد جهاز الدولة إلى حذف وزارة التعليم على المستوى الفيدرالي. ولا يخفى ما لهذه اللامركزية والاستقلالية من تبعات خطيرة على العملية التربوية حيث سيقابل الاستقلال عن السلطة المركزية ارتباط أكبر بالسلط والمؤسسات الاقتصادية الجهوية والمحلية والأولياء كما ستبرز وتتعمق الفوارق في التكوين المقدم وفي تسيير وتمويل المؤسسات التعليمية والتي ستدخل في تنافس لن يكون بالضرورة في صالح المؤسسة بل سيحدث "مقاطعات تعليمية" تعكس المكانة الاجتماعية لمتساكنيها ويكرس انقسام التعليم: تعليم للأغنياء وآخر للفقراء. 
ويبدو أن هذا الموضوع قد لاقى صدى طيبا لدى السلط التونسية التي رأت فيه فرصة للتخلص من إرث "ثقافة إدارية عثمانية - فرنسية" (تتسم بالمركزية المفرطة. في التعليم فقط ؟!) فخصصت نقطتين من ستة تمثل الأهداف العامة للنظام التربوي الجديد لهذا الموضوع، وتعهد الإصلاح التربوي الجديد بـ"دعم اللامركزية واللامحورية وتحرير المبادرة في كل المجالات وفي جميع مستويات المنظومة التربوية" و"السعي المتدرج لاعتماد منطق الطلب في الخدمات بدل منطق العرض السائد حاليا". ولتجسيد ذلك وقع اقتراح مشروع المؤسسة الذي هو "الإطار والطريقة التي تمكن كل الأطراف المعنية بوضع وتنفيذ المشروع الخصوصي للمؤسسة" التربوية المحلية. وتبدو خطورة هذا التمشي في: 
-تخلي الدولة عن دورها المبادر والموجه للعملية التربوية: طوعا حيث ستنتظر طلب الخدمات بدل المبادرة بعرضها، واضطرارا حيث أن من سيمول أو يشارك في تمويل المؤسسة التربوية سيطالب بحقه الطبيعي في توجيهها ورسم أهدافها ولن يقف أحد في وجه الأولياء عندما يطالبون بنوعية معينة من التعليم لأبنائهم.
- وضع المدرسة، تخطيطا وتسييرا، تحت تصرف حزب السلطة وكويكباته ذلك أن "الأطراف المعنية بوضع وتنفيذ مشروع المؤسسة" هي كما حددها الفصل 47 من القانون التوجيهي للتربية والتعليم المدرسي: إطار التدريس والإشراف البيداغوجي والإداري والإرشاد والقيّمون والأولياء والتلاميذ والجمعيات ذات العلاقة (وقع إغفال العملة!). وبتحديد أدق، وقياسا على سوابق السلطة في تعاملها مع المجتمع المدني ومع كل نفس استقلالي عنها فسنجد المدرسة بيد ممثلي: اتحاد الصناعة واتحاد الفلاحين عن المؤسسات الاقتصادية، منظمة التربية والأسرة عن الأولياء، الشبيبة المدرسية عن التلاميذ، لجان الأحياء عن الجوار والشعب المهنية في القطاع، أما المدرسون والقيّمون (وفي أحسن الحالات) فسيقع انتخاب ممثلين عنهم ويقع تجاوز نقاباتهم كما يحدث غالبا وأسوة بأنجح التجارب الأمريكية في هذا المجال: مدارس أديسون التي تشترط عدم الانتماء للنقابات للتدريس فيها.
-فتح مجال أكبر للاستثمار الخاص في التعليم والاستعمال الموسع لتكنولوجيا المعلومات والاتصالTIC
عندما تتحدث منظمة التجارة العالمية عن التعليم فهي تتحدث عنه كسلعة، فيقع الحديث عن الكلفة والجودة والمردودية وسوق التعليم وكل ما يتلاءم مع المنطق التجاري والمالي لرأس المال الخاص المعولم. لذلك ورغم فشل لقاء سياتل في إقرار مبادئ التجارة الحرة في قطاع التعليم فقد تواصلت المفاوضات من أجل ذلك في مقر المنظمة في جينيف ضمن ما يعرف بـ"الاتفاق العام حول تجارة الخدمات" AGCS وهو اتفاق أمضته كل الدول المنتمية لمنظمة التجارة العالمية هدفه "الرفع التدريجي لمستوى تحرير (لبرلة) تجارة الخدمات" عن طريق التدخل في التشريعات الناظمة لذلك في البلدان الأعضاء. فوقع تقسيم "سوق التعليم" إلى خمسة قطاعات: ابتدائي، ثانوي، عالي، كهول وخدمات التعليم وقد قُُطعت أشواط كبيرة في اتجاه لبرلة القطاعات الثلاثة الأخيرة (وهي تمثّل 58 بالمائة من صادرات الخدمات في الولايات المتحدة). وتسعى منظمة التجارة العالمية إلى تحرير البقية و"فتح سوق التعليم أمام كل مزودي الخدمات الراغبين في ذلك".
وتعكس اللوحة في تونس هذا الوضع إذ تُبرز التطور الكبير في عدد مؤسسات التعليم الخاص التي تدخل ضمن المجموعات الثلاث الأخيرة في ترتيب المنظمة إضافة إلى تواجد التعليم الخاص في القطاعين الأول (بشكل كثيف في قطاع التربية قبل المدرسية) والثاني (خاصة القطاع المهني) ولا شيء يمنع رأس المال من الاستثمار في التعليم الأساسي والثانوي خاصة والقانون يسمح بـ"...إحداث مؤسسات تعليمية ذات برامج وأنظمة تعليمية مغايرة ..." (الفقرة الأخيرة من الفصل 30) وبـ"... إحداث مؤسسات تربوية خاصة تعتمد برامج وتنظيمات خصوصية أو تعد لاجتياز امتحانات أجنبية ..." (الفقرة الأخيرة من الفصل 40). ولئن كان القانون يربط ذلك بالحصول على ترخيص من الوزير المكلف بالتربية فإن رفض الترخيص يعتبر في قوانين منظمة التجارة العالمية عرقلة للتنافس الحر تنجر عليه عقوبات تجعل ممن يريد الإقدام على ذلك يفكر مليّا مليّا قبل اتخاذ قراره.
ويتزامن السعي إلى تحرير التعليم مع التطور الهائل الحاصل في ميدان الاتصالات والتكنولوجيا الحديثة (انترنيت، ميلتيميديا...) الشيء الذي جعل العملية التعليمية تخرج عن دائرتها الكلاسيكية فلا ضرورة الآن مثلا للانتقال إلى أماكن معينة للتعلّم إذ أصبحت المعارف والعلوم متوفرة "للجميع" وبمجرد بعض النقرات على أزرار الفأرة وهو ما عبّرت عنه المجموعة الأوروبية بالقول في أحد تقاريرها بـ"أن ساعة الدراسة خارج المدرسة قٌد أزفت" وأوصت بمراجعة الكفايات الأساسية باتجاه إدخال تكنولوجيا المعلومات والاتصال. وهكذا يقع استغلال هذا التطور:
-لإنهاء احتكار المدرسة للعملية التعليمية: حيث لم تعد المكان الضروري والوحيد لتلقي العلم إذ برزت العديد من الأشكال الأخرى (التجارية) كالمدارس الافتراضية ومؤسسات التكوين عن بعد والإعداد للامتحانات الخ... ودخلت العملية التعليمية مجموعات ومنظمات كانت إلى وقت قريب لا تمت بأية صلة إلى القطاع (1,7 مليون طفل في أمريكا يتابعون الدراسة في منازلهم وفي دراسة لبنك الأعمال "ميريل لنتش" يقدر الدراسة بواسطة الانترنيت بـ 54 مليار دولار سنة 2002).
-ومن خلال تعميم تعلّم الاستعمال البسيط للحاسوب والانترنيت يقع ضمان تشغيلية وإنتاجية "المورد البشري" وسرعة تأقلمه مع عدم الاستقرار الذي يميّز سوق الشغل في عصر العولمة وذلك من خلال مقدرته على "التعلّم مدى الحياة" على حسابه الخاص وفي أوقات فراغه وهي خدمة مجانية تقدمها المدرسة للأعراف تمكنهم من توفير الموارد الضخمة التي كانت تصرف على الرسكلة. 
تلك هي الغايات الحقيقية للمؤسسات المالية الاحتكارية العالمية من دعوتها إلى اعتماد تكنولوجيا المعلومات والاتصال في التعليم إذ لا يخفى عليها ما جاء في تقرير لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية من أن الولايات المتحدة - وهي البلد الأكثر تطورا في هذا الميدان- تعاني من مستوى ثقافي "يرثى له". ولا يشذ إصلاح التعليم في تونس عن هذا المسار، فبالإضافة إلى تقنين المدارس الافتراضية (عمومية كانت أم خاصة) والتي أصبحت أماكن للدراسة كالمعاهد والمدارس (الفصل 29) فإن القانون التوجيهي ينص في الفقرة الأخيرة من الفصل 52 على "وتولي البرامج عناية خاصة بتدريب المتعلمين على استعمال تكنولوجيات المعلومات والاتصال باعتبارها وسائط لبلوغ المعارف وللتعلم الذاتي." مدى الحياة طبعا.
لئن كان التعليم في تونس في حاجة إلى الإصلاح والتطوير وهو ما نادت به ولازالت كل قوى المجتمع المدني والسياسي في البلاد فان الإصلاح الأخير الذي أقدمت عليه السلطة والذي استشارت فيه 25 ألف مهتم بالقطاع!!! وشارك فيه البنك العالمي (ندوة ماي98) ضاق عن نقابات التعليم والأحزاب والمنظمات الوطنية لذلك فقد جاء هذا الإصلاح لتطويع المدرسة التونسية للإملاءات الأجنبية ولم يلامس مشاكلها الحقيقية بل فاقم البعض منها. فهل صحيح أن ما تشكو منه المدرسة التونسية هو: الاهتمام بالتعليم الثانوي والعالي وإهمال التعليم الأساسي؟ المركزية ومنطق العرض في الخدمات؟ موسوعية البرامج وكثرة المحتويات المعرفية؟ عدم استعمال تكنولوجيا المعلومات والاتصال؟. لنفرض أن تلك هي معضلات التعليم في تونس، فهل يمكن تغيير طرق التدريس والتعلّم بالمناشير ودون انخراط حقيقي للمدرسين؟ وما فائدة البرامج مهما كانت الغايات النبيلة لها إذا لم ترافقها الإمكانيات المادية لوضعها حيز التطبيق لدى المعنيين بها؟ وهل يكفي الـ "... ما يحدو كافة أعضاء الأسرة التربوية من طموح وعزم على مزيد الارتقاء بالمدرسة وما يتميزون به من كفاءة واقتدار، علميا وبيداغوجيا ..." – كما جاء في مقدمة "الخطة التنفيذية لمدرسة الغد-" لإنجاح هذا الإصلاح؟ أم ترى هي مقدمة لوضع مسؤولية فشله على المدرسين!؟
 كاتب وباحث تونسي


تابع القراءة »»

خبر عاجل : الإعلان عن مباريات ولوج مركز تكوين المفتشين

.
0 commentaires

مقالات و مستجدات تربوية وتعليمية مغربية

خبر عاجل : الإعلان عن مباريات ولوج مركز تكوين المفتشين
إعلان عن إجراء مباريات الدخول إلى مركز تكوين مفتشي التعليم يومي 26 و 27 فبراير 2009

تابع القراءة »»