الأربعاء، 4 فبراير 2009

ظاهرة العقاب البدني واللفظي في التربية

. الأربعاء، 4 فبراير 2009
0 commentaires



 الموقع التربوي و التعليمي المغربي


ذ. عزيز بوستّـا (شعبة علوم التربية)

رغم أن موضوع العقاب في التربية طُرح للنقاش من طرف مختلف الفاعلين في الحقل التربوي، على المستويين الوطني والعالمي منذ عقود، كما اهتم به المفكرون في الحضارات السابقة؛ الإسلامية واليونانية وغيرها، فيما نسميه بالأدبيات التربوية، إلا أنه رغم ذلك، مازال يحتفظ بأهميته وراهنيته للأسباب التالية:

1 ـ مازال العقاب البدني واللفظي سائدا في مؤسساتنا التربوية باختلاف مستوياتها الأولية والأساسية وغيرها.

2 ـ ظاهرة العنف (المرتبطة بالعقاب) لا يخلو منها أي بلد في العالم، وقد بلغت درجات قصوى في بعض البلدان الغربية تمثلت في إطلاق النار على التلاميذ والمدرسين...

3 ـ كنا قبل العقد الأخير نستنكر ظاهرة انتشار صور العنف في الأفلام والرسوم المتحركة التي يشاهدها الأطفال، فأصبحنا اليوم نُقذف بآلاف صور العنف والتقتيل الحية والواقعية والمبثوثة مباشرة أحيانا عن أطفال ونساء وشيوخ يُقتلون ويُقطعون أشلاء، فيما يمكن أن نسميه عقابا جماعيا للشعبين العراقي والفلسطيني...

موضوع العنف والعقاب إذن، جدير بأن يحتل صدارة نقاشاتنا، وما دمنا نعمل بالمجال التربوي، سنقتصر على تحليل البعد التربوي لهذه الظاهرة.

I ـ مظاهر العقاب في المؤسسات التربوية وأسباب وجودها:

لا بد من الإشارة – في البداية- إلى النقص الكبير في البحوث التربوية الميدانية التي أُنجزت حول هذا الموضوع، بحيث لا نملك رصداً دقيقا للحجم الحقيقي لهذه الظاهرة في مؤسساتنا التربوية، ليس هناك سوى بحوث متواضعة تشمل التعليم الابتدائي فقط، أما التعليم الأولي فلا زال في حاجة إلى دراسات علمية ميدانية. كما يجدر التنبيه إلى الصعوبات الكبيرة التي تعترض كل من يريد دراسة هذا الموضوع دراسة علمية موضوعية، فلا الاستمارات ولا الاستبيانات ولا الاستجوابات كافية لجمع معطيات جاهزة عنه، لأنه يتعلق بموضوع "محرم"، يصعب الإدلاء بالرأي الصريح حوله، كما يصعب على الباحث أن يستطلع رأي الطفل أو موقفه منه، أو أن يعرف حقيقة ما يتعرض له الطفل من عقوبات، لأن الباحث يظل بالنسبة للطفل شخصاً غريبا وممثلا في نفس الوقت لسلطة الراشد... وحتى استجواب الآباء واستطلاع آرائهم حول هذا الموضوع يخضع لمؤثرات ذاتية قد تُضخِّم منه نظرا للروابط العاطفية بين الآباء وأبنائهم، أو عكس ذلك قد تستهونه إذا كان الأب سلطويا في تعامله مع أبنائه ...

رغم النقص الملحوظ في دراسة هذا الموضوع ميدانيا، يمكننا القول من خلال ملاحظاتنا التلقائية وخبراتنا الشخصية، ومن خلال خلاصات بعض الدراسات التي أجريت في التعليم الابتدائي (1)، أن ظاهرة العقاب العنيف مازالت منتشرة في مؤسساتنا التربوية، وتأخذ عدة مظاهر منها:

1 ـ العقاب البدني بأدوات معينة كالعصي والحبال والمساطر وغيرها، أو باللطم والصفع والقرص...

2 ـ العقاب العنيف دون استخدام أدوات: كإيقاف الطفل خلف الباب، أو في مواجهة الحائط الخلفي للقسم مع رفع إحدى رجليه أو دون رفعها لمدد متفاوتة.

3 ـ العقاب اللفظي المتمثل في السّب والشتم والاستهزاء والسخرية...

4 ـ العقاب بالإهمال وعدم إعارة أي اهتمام لما يقوم به الطفل من أعمال ونشاطات تربوية وتعلمية...

5 ـ العقاب بالتنقيط (نقطة الصفر، النقطة الموجبة للرسوب)

6 ـ العقاب بالواجبات والفروض، كإرغام الطفل على كتابة كلمة أو جملة أو فقرة عشرات أو مئات المرات .

7 ـ <<العنف النفسي وفرض الرأي بصفة تسلطية وكبت حرية التعبير>>(2).

ـــــــــــــــــــــــــ

*هذا المقال هو عبارة عن عرض قدم في ندوة (العقاب اللفظي والبدني بالمؤسسات التعليمية)التي نُظمت بمركز تكوين المعلمين والمعلمات بطنجة، في إطار الملتقى السادس للتواصل بين التعليم الأولي والسلك الأول من التعليم الأساسي من 24 إلى 26 أبريل 2003.

أسباب وجود ظاهرة العقاب العنيف في مؤسساتنا التربوية:

لظاهرة العقاب العنيف عدة أسباب تشمل جوانب متعددة من حياة الفرد والمجتمع، يعود بعضها إلى عوامل تاريخية، وبعضها الآخر إلى أسباب نفسية واجتماعية وثقافية، كما يؤول بعضها أيضا إلى طبيعة النظام التعليمي ببلادنا. وهي كلها أسباب – على اختلاف درجات تأثيرها- تعمل إذا اجتمعت على تفاقم ظاهرة العقاب العنيف، وكلما ضعف تأثير بعض عناصرها، كلما لوحظ تقلص عنف العقاب وتدني حدته. نذكر من هذه الأسباب:

أ ـ الموروث التربوي: ونقصد به وجود جذور لظاهرة العقاب في تاريخ مجتمعنا البعيد والقريب، توارثتها أجيال بعد أجيال (3). فكثير من مفكرينا وفقهائنا المسلمين تعرضوا في مؤلفاتهم لهذه الظاهرة مثبتين وجودها، بل وتفشيها في مجتمعاتنا. نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر العلامة المختار السوسي (وُلد سنة 1898م وتوفي سنة 1963م.) من خلال مؤلفيه: <<المعسول>> الذي يقع في عشرين جزءا و <<مدارس سوس العتيقة>>، وهي مؤلفات جمع فيها كاتبها معلومات عن أزمنة ممتدة من القرن الخامس الهجري إلى القرن الرابع عشر الهجري.(4)

يقول المختار السوسي نقلا عن أحد المدرسين: << إن والديهم (آباء التلاميذ) إذا لم يجدوا فيهم (أبنائهم) أثرا للضرب ولوث الدم وتلطيخ بكثرة الجروح فإنهم يرجعون إليّ باللائمة والعتاب ... فكثيرا ما يأتي أحدهم فيقف بعيداً أو ينادي من وراء الحجرات، اضرب ولدي فإنه ساكت لاعب لاهٍ>>(5) وعن ذلك يعقب المختار السوسي <<هذا التأديب العنيف الذي يرتكبه الطلْبة (المدرسون) ويرتضيه الآباء ويغُضُّ عنه الرأي العام هو الذي يحمل بعض التلاميذ على الانتحار ...على الهروب وقلما نجد من لم يهرب من بلد إلى بلد من كل من تعلم القرآن>>(6).

وعن العلاقة بين المعلم والمتعلم، يقول المختار السوسي: << إذا جلس التلميذ إلى الطالْب (المدرس) ليعرض لوحته ثم تململ فيها، فلا يجيبه إلا بلطمة أو ركلة أو بقرصة ... والمقرص الرسمي يكون دائما تحت الذقون. ولذلك قلما نجد تلميذا إلا له أثر في عنقه ... والوالدان يقولان في ذلك متى رأوه رضي الله على الطالْب فما أكثر اجتهاده ... وقلما نجد من يمتعض لولده إن رأى منه مثل ذلك ...>>(7) ويصف المختار السوسي نفسية هؤلاء المدرسين بقوله: << بل أكثرهم، المدرسون متخلقون بهذه الشراسة والقساوة، بحيث إن لم ينهمكوا في تعذيب المتعلم، يحصل لهم التغيير الظاهر, والقبض والصداع، طبيعة وتطبع>>(8)

وتجدر الملاحظة إلى أن أغلب الفقهاء الذين أوردوا هذه الشهادات عن وجود ظاهرة العقاب البدني في المجتمع يتفقون على ضرورة تجنب العقاب العنيف في التربية، لكنهم لا ينفون أهميته حين يكون معتدلا، بل منهم من يحدد عدد الضربات المسموح بها لكل مرحلة من مراحل الطفولة(9).

ب ـ تأثير التنشئة الاجتماعية في تكوين المربي والمدرس:

تتميز أغلب الأوساط الأسرية في مجتمعنا بالخصائص الآتية:

1 ـ تمركز السلطة في يد الأب، وعدم إتاحته لباقي أفراد الأسرة فرصة مناقشة أي قرار يتعلق بالأسرة، وخاصة منهم الأطفال الصغار.

2 ـ استعمال العقاب البدني في التربية الأسرية.

فمثل هذه التنشئة الاجتماعية، لا بد وأن تترك بصماتها في سلوك المدرس - الذي ترعرع فيها- أثناء قيامه بمهامه التعليمية التربوية.

ج ـ تأتير المدرسين السابقين على المدرسين الجدد، فهؤلاء يستمدون الكثير من التقنيات التعليمية من مدرسيهم القدامى عن وعي أو بدونه.

هكذا يتعامل المربي أو المدرس داخل القسم مع الطفل الحاضر أمامه، مستحضرا دون وعي، تجربة الطفل القابع في لاوعيه، مما يجعله في غالب الأحيان يُعيد إنتاج نفس نمط التربية الذي تلقاه. لكن – لحسن الحظ- ما يجعل هذه النماذج لا تتكرر بنفس الحدة، هو خضوع المجتمع لحركية (ولو بطيئة) تتدخل فيها عناصر جديدة تجعلها تتطور نحو الأفضل، نحو علاقات تربوية أقل سلطوية، من هذه العناصر: الاحتكاك الذي وقع لمجتمعنا مع حضارات مختلفة، وبداية اتساع الحريات الفردية والعامة في المجتمع.

د ـ التنافر الحاصل بين المؤسسة التربوية ووسائل الاتصال الحديثة: فحضارة الصورة التي نعيشها اليوم، وثورة المعلوميات، تجعل الطفل منجذبا لمنتجاتها، مستسلما لمغرياتها، نظرا لما تقدمه له من تنشيط وحركية وصور جذابة وفرجة وتسلية، مما يجعل الطفل ينغمس بكل جوارحه في تعامله معها (من هذه الوسائل: الألعاب الإلكترونية وبعض برامج الحاسوب والأنترنيت، وبرامج القنوات الفضائية المختلفة). وفي مقابل هذا العالم المليء بالحركة والتنشيط والمتعة، يجد الطفل نفسه داخل المؤسسة التربوية أمام وسائل تعليمية بدائية غالبا ما تنحصر في السبورة والطباشير، وطرق تدريس عقيمة تعتمد على التلقين والحفظ والاستظهار... مما يجعل الطفل ينفر من هذه المؤسسات، ولا يُقبل عليها إلاّ مُكرها، مما يفتح المجال واسعا لممارسة مختلف أشكال العنف والعقاب لإرغام الطفل على "التكيف" مع هذا "العالم التربوي" الذي لا يلبي حاجياته ورغباته ...

ج ـ إكراهات تتحمل مسؤوليتها المنظومة التربوية ببلادنا، أذكر منها:

1 ـ اكتظاظ الأقسام بالأطفال يساهم في خلق علاقات تربوية غير سليمة بين المربين أو المدرسين والأطفال، كما يعد أرضية خصبة لتفشي كل أشكال العنف بما فيها العقاب البدني واللفظي.

2 ـ ضعف إمكانيات المؤسسة التربوية، وندرة الوسائل التعليمية المناسبة، يساهم في تكريس طرق تقليدية في التربية، مما يضطر المربين إلى اللجوء إلى بعض أشكال العقاب "لإرغام" الأطفال على مسايرة دروسهم ... فالاستغناء عن العقاب البدني يتطلب من المدرس - بالإضافة إلى خبرته البيداغوجية- توفره على وسائل تعليمية حديثة.

3 ـ إكراهات تتعلق بالبرامج التعليمية واستعمالات الزمن: فكثافة البرامج الدراسية وتنوعها، يجعل الكثير من المدرسين – تحت ضغط التوجيهات الرسمية- لا يفكرون إلا في تنفيذها في الآجال المحددة لها بغض النظر عن مدى تحقق أهدافها الموجهة لتربية الطفل وتنمية قدراته المختلفة. كما أن بعض استعمالات الزمن في التعليم الابتدائي وُضعت لتغطية الخصاص الحاصل في الحجرات الدراسية، فأصبحت الحجرة الواحدة تتسع لقسمين أو ثلاثة أقسام بالتناوب (الصيغتين الثانية والثالثة)، بحيث يدرس فيها التلاميذ ومدرسوهم طوال اليوم الدراسي، بدون انقطاع. مما يجعل تغذيتهم غير منتظمة، لأن الفترة الزوالية مستغرقة بالدراسة، فالطفل إما أن يخرج من المدرسة في الساعة الواحدة وإما أن يلجها في نفس التوقيت. وهذا بحد ذاته يمثل عقوبة قاسية للأطفال ولمدرسيهم في نفس الآن.

4 ـ إكراهات المراقبة التربوية والإدارية التي كثيرا ما تلحّ على الإنجاز الحرفي لكل أهداف الدرس المسطرة في الجذاذات.

5 ـ مراعاة كثير من مؤسسات التعليم الأولي لرغبات ومتطلبات أولياء أمور التلاميذ، بناء على حسابات الربح والخسارة المادية، يكون أحيانا على حساب جوانب بيداغوجية تربوية. فالكثير من أولياء أمور التلاميذ يقيسون مدى نجاح تربية أبنائهم بمدى حفظهم لكم هائل من المحفوظات بالعربية وبلغات أجنبية، وهو مقياس خاطئ بالنظر إلى ما تتطلبه مرحلة نمو الطفل في التعليم الأولي من الاعتماد بالدرجة الأولى على أنشطة حسية حركية يقوم المربون من خلالها بحفز الأطفال على البناء التدريجي لمختلف المفاهيم الأولية التي تهيئهم لاستيعاب البرامج التعليمية في مرحلة التعليم الابتدائي كما تلبي حاجياتهم المتعلقة بمستوى نضجهم.

IIـ الموقف من العقاب:

1 ـ حجج المؤيدين للعقاب: غالبا ما يدافع المؤيدون لوسيلة العقاب البدني في التربية عن موقفهم بالأدلة الآتية:

ـ ما دام العقاب البدني شائعا في المجتمع والأسرة، يستحيل إزالته من المؤسسة التربوية، وإلا أصبحت هذه الأخيرة مجالا لتفريغ شحنات الطفل نتيجة العنف الممارس عليه خارج المؤسسة. لأن الطفل في هذه الحالة لا يرتدع بوسائل أخرى غير العقاب... لذلك علينا أن نفكر في محاربة كل الأساليب العنيفة في تعاملنا مع الطفل خارج المدرسة قبل الشروع في ذلك داخلها.

ـ العقاب وسيلة ناجعة لتقويم سلوك الطفل، وإلا سقط في الانحلال، فيصبح مدللا. لذا لا يجب إطلاق العنان لنزعات الطفل الفجة...

ـ العقاب يساهم في تقوية مكانة وشخصية المدرس أو المربي، وانعدامه يؤدي إلى ضُعفها.(10)

وتجدر الملاحظة بهذا الخصوص إلى أن أغلب المؤيدين للعقاب، سواء كانوا مغاربة أو أجانب، يتحدثون عن العقاب التربوي المعتدل وغير المبالغ فيه، والذي لا ينعكس سلبيا على شخصية المتعلم.

2 ـ حجج الرافضين للعقاب البدني:

ـ العقاب وسيلة بدائية لا تتناسب مع التطور الحضاري الذي عرفته الإنسانية...

ـ العقاب يؤدي إلى تمرير الراشد للطفل لمبدأ غير أخلاقي هو أن الحق للأقوى، فالراشد يعاقب لأنه الأكبر والأقوى. وهذا يلغي فضيلة الحوار وأسلوب الإقناع والاقتناع.

ـ تركيز المربي على العقاب يؤدي إلى الانتباه للأخطاء فقط، وإهمال الدعم والتشجيع.(اعتبار الطفل متهما إلى أن تثبت براءته).

ـ الطفل المُعاقَب يُحِسّ بلا جدوى القيام بأي مجهود جديد، خشية الوقوع في الخطأ الذي تتلوه العقوبة.

ـ العقاب العنيف له انعكاسات خطيرة على شخصية الطفل ومستقبله، فهو يؤدي به إلى: *فقدان الثقة في النفس. *الانطواء والخجل. *عدم القدرة على المواجهة. *عدم القدرة على تحمل المسؤولية. *كراهية المُربِّي والمؤسسة التربوية. *ينشأ الطفل على الخوف أو التمرد والعصيان. *التسرب الدراسي أو عدم التوافق الدراسي.(11)

ـ العقاب لا يفرض احتراما حقيقيا للمدرس من طرف الأطفال المعاقبين، بل هو احترام مصطنع، كما أن أفضل السبل لتقوية شخصية المدرس يكون بالتعامل التربوي الإنساني، لا بممارسة أية سلطة قهرية.

ـ إذا كان العقاب سائدا في المجتمع والأسرة لأسباب عديدة، فإن المؤسسة التربوية عليها أن لا تعيد إنتاج القيم السلبية السائدة، لتكون رائدة في مجال تنمية المجتمع وتطويره وتحديثه.

خلاصة:

ُيجمع كل الفاعلين التربويين على خطورة العقاب البدني المبالغ فيه على تكوين شخصية الطفل. إلا أن العقاب إذا خضع لقيود تربوية صارمة، يمكنه أن يكون مفيدا في تربية الأطفال، كما سنرى ذلك من خلال آراء بعض علماء النفس والتربية.

وجهة نظر عالم النفس دانييل لومبير (Daniel Lambert) (12):

بعد تأكيده على خطورة العقاب العنيف للأطفال، يرى دانييل لومبير أن العقاب، ليكون تربويا، لا بد للمربي من اتباع المعايير الآتية:

ـ يجب أن يرتبط العقاب بهدف رئيسي، وهو أن يستوعب الطفل أننا غير راضين عن سلوك معين لكي لا يُعيده.

ـ يجب أن تحصل العقوبة مباشرة بعد السلوك الخطأ، لأن مفهوم الزمن لدى الأطفال الصغار يختلف عن مفهوم الكبار له.

ـ علينا أن نقيم ربطا منطقيا بين العقوبة والخطأ المرتكب.

ـ يجب الثبات فيما نطالب به الطفل، وعدم نسيان أو تغيير طلباتنا.

ـ علينا أن نتأكد من أن ما نطالب به الأطفال ممكن التحقق ومناسب لسنهم.

ـ أن نتأكد من أن عقوباتنا لا تحمل أي أعراض جانبية أو تأثيرات سلبية على الأطفال.

ويضيف بعض الباحثين (13) معايير أخرى ك:

ـ ضرورة أن يتناسب العقاب مع درجة الإساءة أو الخطأ، لا مع درجة مخالفة أو مضايقة الراشد وغضبه، لأن العقاب لا يجب أن يكون انتقاما أو تنفيسا عن غضب الراشد وانفعاله.

ـ عدم إهانة الأطفال أو تهديدهم أو تجريمهم.

ـ إشراك الأطفال في إصلاح أخطائهم، كلما تأتى لنا ذلك.

ـ تفادي مطالبة الأطفال بوُعُود لن يتمكنوا من الالتزام بها، أو أن نطلب منهم المسامحة والاعتذار عن موقف لا يفهمونه.

وجهة نظر الباحث الإيراني محمد تقي فلسفي (14):

يؤكد هذا الباحث أن لا جدوى من العقاب البدني، بل له تأثيرات سلبية على الطفل، لذلك دعت تعاليمنا الإسلامية إلى تجنبه. كما يرى<<أن للعقوبات التي تُرجَّحُ فيها الوسائل العاطفية والأخلاقية على الوسائل المادية تأثيرا كبيراً، ففي مثل هذه العقوبات بدلا من أن يُحرم الطفل من الماديات يجب السعي للتأثير في قلبه ونفسه ووجدانه وعزته وغروره، فإن لم ترتبط المحروميات المادية مع مشاعره وعواطفه فإنها تفقد طابع العقوبة>>(15)

لعل أهم ما يمكن استخلاصه من كل ما سبق، هو أن للعقاب البدني العنيف عواقب خطيرة على نمو الطفل وتكوين شخصيته، وإن كان لا بد لنا كراشدين (مربين أو مدرسين أو آباء وأمهات) من تقويم أي انحراف في سلوك أطفالنا، فليكن ذلك بأساليب تربوية تحفظ كرامتهم وتصون حقوقهم، وتهيئهم لتحمل المسؤوليات الجسيمة التي تنتظرهم في بناء عالم الغد المُفعم بالتحديات.


الهوامش:

(1) راجع دراسة السيدة الأندلسي: <> B.EL Andaloussi, Publiée avec l'appui de l'UNICEF 2001

2) هذه العبارة مقتطفة من مذكرة لوزارة التربية الوطنية والشباب في موضوع: <<ظاهرة العنف بالمؤسسات التعليمية>> صدرت بالرباط في 23 شتنبر 1999.

(3) وهي ظاهرة شهدتها كافة المجتمعات في العصور السابقة، وتشهد بذلك العديد من كتابات مفكري عصر النهضة وعصر الأنوار في أوروبا، كما عكستها كتابات بعض المفكرين في القرون الوسطى الغربية كالقديس أوغسطين.

(4) راجع بهذا الخصوص أحمد احدوتن <<الخطاب التربوي بالمغرب>> سلسلة المعرفة للجميع رقم 28 ص ص 35-36...

(5)و(6) المختار السوسي <<مدارس سوس العتيقة>> عن المرجع السابق ن.ص.

(7) نفس المرجع السابق ص 21-22.

(8) المختار السوسي <<كتاب المعسول>> عن المرجع السابق، ص63. وهناك شهادات لفقهاء آخرين من مناطق مختلفة من المغرب لا يتسع المجال لذكرها، أمثال الفقيه العربي بن عبد الله المساري (توفي في النصف الأول من القرن 13 هجري) من خلال منظومته <<سراج طلاب العلوم>> وكذلك أحمد بن عبد المأمون البلغيتي (المتوفى بفاس سنة 1929م) من خلال كتابه <<الابتهاج بنور السراج>> راجع المرجع السابق ص 63.

(9) [يقول ابن سحنون في كتابه <<آداب المعلمين والمتعلمين>>: عن كيفية معالجة أي خطأ يصدر من الطفل: <<وهذا أدَبُه إذا فرّط فتثاقف عن الإقبال على المعلم، فتباطأ في حفظه أو أكثر الخطأ في حزبه أو في كتابة لوحه، من نقص حروف وسوء تهجية، وقبح شكله وغلطه في نقطه... فإن اكتسب الصبي جُرما من أذىً ولعب وهروب من الكُتّاب وإدمان بطالة، ينبغي للمعلم أن يستشير أباه أو وصيه إن كان يتيماً ويُعْلِمه بجرمه إن كان يستأهل من الأدب (الضرب) فوق ثلاث>> ص 312-313] كتاب <<الخطاب التربوي بالمغرب>> المشار إليه أعلاه، ص.110.

(10) راجع بهذا الخصوص موقعا تربويا على شبكة الأنترنيت لمجموعة من الفاعلين التربويين، حيث نجد مقالا هاما بعنوان <<من أجل عودة العقاب إلى المدرسة>> نقتطف منه الفقرة التالية:

<<>> voir :

http://www.journaldemontreal.com/Montreal-Societe/112943.html
(11)
ابن خلدون يُلخص هذه السلبيات بكثير من العمق في التحليل حينما يقول: << أن الشدة على المتعلمين مضرة بهم وذلك أن إرهاف الحد بالتعليم مضر بالمتعلم سيما في أصاغر الولد لأنه من سوء الملكة ومن كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين أو المماليك أو الخدم سطا به القهر وضيق عن النفس في انبساطها وذهب بنشاطها ودعاه إلى الكسل وحمل على الكذب والخبث وهو التظاهر بغير ما في ضميره خوفا من انبساط الأيدي بالقهر عليه وعلمه المكر والخديعة لذلك وصارت له هذه عادة وخلقا وفسدت معاني الإنسانية التي له من حيث الاجتماع والتمرن وهي الحمية والمدافعة عن نفسه ومنزله وصار عيالا على غيره في ذلك بل وكسلت النفس عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل فانقبضت عن غايتها ومدى إنسانيتها فارتكس وعاد في أسفل السافلين وهكذا وقع لكل أمة حصلت في قبضة القهر ونال منها العسف ...>> <<مقدمة ابن خلدون>> دار القلم، بيروت 1984 الطبعة الخامسة الجزء الأول، ص. 540-541.

(12) راجع الموقع التربوي الآتي على الأنترنيت:

http://www.webdlambert.com

(13) راجع موقع (discipline) التربوي على الأنترنيت http://www.cf.geocities.com/toupetits/discipline

(14) يقول محمد تقي فلسفي: << إن العصر الحديث يخطئ من الناحية العلمية والتربوية ، طريقة ضرب الأطفال وإيذائهم بغية التأديب ، ويكاد يمنع الضرب في جميع الدول الحية فيحذر الآباء والأمهات في البيت ، والمعلمون في المدرسة ، عن ضرب الأطفال بصورة أكيدة. قد يتصور البعض أن هذه النظرية مبتكرة في عصرنا الحاضر ، وأن الانتباه إلى أهمية هذا الموضوع حصل في الحديث فقط . بينما نرى من الضروري أن نرفع هذا الوهم عن أذهان أولئك ونقول بصراحة : إن الاسلام سبقهم إلى ذلك ... فعلاوة على الروايات في المنع من ضرب الأطفال ، أفتى الفقهاء المسلمون في القرون الماضية بحرمة ذلك في رسائلهم العملية التي تعد المناهج اليومية لعمل المسلمين. « قال بعضهم : شكوت إلى أبي الحسن(ع) بناً لي ، فقال : لا تضربه واهجره ... ولا تطل » .
ففي هذا الحديث نجد أن الإمام يمنع من ضرب الطفل بصراحة ، مستفيداً من العقوبة العاطفية بدلاً من العقوبة البدنية ... >> من كتاب <<الطفل بين الوراثة والتربية>> لمحمد تقي فلسفي، ترجمه عن الفارسية فاضل الحسيني الميلاني، دار التعاريف للمطبوعات، بيروت لبنان. ص. 393-394.

(15) نفس المرجع السابق ص. 394.




 الموقع التربوي و التعليمي المغربي

تابع القراءة »»

المفاتيح العشرة للنجاح الدراسي

.
0 commentaires



 الموقع التربوي و التعليمي المغربي


النجاح مطلب الجميع وتحقيق النجاح الدراسي يعتبر من أولويات الأهداف لدى الطالب ..ولكل نجاح مفتاح وفلسفة وخطوات ينبغي الاهتمام بها ...ولذلك أصبح النجاح علما وهندسة ..

النجاح فكرا يبدأ وشعورا يدفع ويحفز وعملا وصبرا يترجم ..وهو في الأخير رحلة .. سافر فإن الفتى من بات مفتتحا قفل النجاح بمفتاح من السفر

وسنحاول في هذا الحوار التطرق لبعض من هذه الخطوات ..

المفاتيح العشرة للنجاح الدراسي :

1- الطموح كنز لا يفنى:

لا يسعى للنجاح من لا يملك طموحا ولذلك كان الطموح هو الكنز الذي لا يفنى ..فكن طموحا وانظر إلى المعالي .. هذا عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين يقول معبرا عن طموحه:" إن لي نفسا تواقة ،تمنت الإمارة فنالتها،وتمنت الخلافة فنالتها ،وأنا الآن أتوق إلى الجنة وأرجو أن أنالها "

2- العطاء يساوي الأخذ:

النجاح عمل وجد وتضحية وصبر ومن منح طموحه صبرا وعملا وجدا حصد نجاحا وثمارا ..فاعمل واجتهد وابذل الجهد لتحقق النجاح والطموح والهدف ..فمن جدّ وجد ومن زرع حصد.. وقل من جد في أمر يحاوله وأستعمل الصبر إلا فاز بالظفر

3- غير رأيك في نفسك :

الإنسان يملك طاقات كبيرة وقوى خفية يحتاج أن يزيل عنها غبار التقصير والكسل ..فأنت أقدر مما تتصور وأقوى مما تتخيل وأذكى بكثير مما تعتقد..اشطب كل الكلمات السلبية عن نفسك من مثل " لا أستطيع - لست شاطرا.." وردّد باستمرار " أنا أستحق الأفضل - أنا مبدع - أنا ممتاز - أنا قادر .."

4- النجاح هو ما تصنعه (فكر بالنجاح - أحب النجاح..)

النجاح شعور والناجح يبدأ رحلته بحب النجاح والتفكير بالنجاح ..فكر وأحب وابدأ رحلتك نحو هدفك .. تذكر : " يبدأ النجاح من الحالة النفسية للفرد ، فعليك أن تؤمن بأنك ستنجح - بإذن الله - من أجل أن يكتب لك فعلا النجاح ." الناجحون لا ينجحون وهم جالسون لاهون ينتظرون النجاح ولا يعتقدون أنه فرصة حظ وإنما يصنعونه بالعمل والجد والتفكير والحب واستغلال الفرص والاعتماد على ما ينجزونه بأيديهم .

5- الفشل مجرد حدث..وتجارب :

لا تخش الفشل بل استغله ليكون معبرا لك نحو النجاح لم ينجح أحد دون أن يتعلم من مدرسة النجاح ..وأديسون مخترع الكهرباء قام بـ 1800 محاولة فاشلة قبل أن يحقق إنجازه الرائع ..ولم ييأس بعد المحاولات الفاشلة التي كان يعتبرها دروسا تعلم من خلالها قواعد علمية وتعلم منها محاولات لا تؤدي إلى اختراع الكهرباء .. تذكر : الوحيد الذي لا يفشل هو من لا يعمل ..وإذا لم تفشل فلن تجدّ ..الفشل فرص وتجارب ..لا تخف من الفشل ولا تترك محاولة فاشلة تصيبك بالإحباط .. وما الفشل إلا هزيمة مؤقتة تخلق لك فرص النجاح.

6- املأ نفسك بالإيمان والأمل :

الإيمان بالله أساس كل نجاح وهو النور الذي يضيء لصاحبه الطريق وهو المعيار الحقيقي لاختيار النجاح الحقيقي ..الإيمان يمنحك القوة وهو بداية ونقطة الانطلاق نحو النجاح وهو الوقود الذي يدفعك نحو النجاح .. والأمل هو الحلم الذي يصنع لنا النجاح ..فرحلة النجاح تبدأ أملا ثم مع الجهد يتحقق الأمل ..

7- اكتشف مواهبك واستفد منها :

لكل إنسان مواهب وقوى داخلية ينبغي العمل على اكتشافها وتنميتها ومن مواهبنا الإبداع والذكاء والتفكير والاستذكار والذاكرة القوية ..ويمكن العمل على رعاية هذه المواهب والاستفادة منها بدل أن تبقى معطلة في حياتنا ..

8- الدراسة متعة .. طريق للنجاح :

المرحلة الدراسية من أمتع لحظات الحياة ولا يعرف متعتها إلا من مرّ بها والتحق بغيرها ..متعة التعلم لا تضاهيها متعة في الحياة وخصوصا لو ارتبطت عند صاحبها بالعبادة ..فطالب العلم عابد لله وما أجمل متعة العلم مقرونا بمتعة العبادة .. الدراسة وطلب العلم متعة تنتهي بالنجاح ..وتتحول لمتعة دائمة حين تكلل بالنجاح .

9- الناجحون يثقون دائما في قدرتهم على النجاح :

الثقة في النجاح يعني دخولك معركة النجاح منتصرا بنفسية عالية والذي لا يملك الثقة بالنفس يبدأ معركته منهزما ..

10- النجاح والتفوق = 1% إلهام وخيال + 99%جهد واجتهاد:

الإلهام والخيال لا يشكل أكثر من 1% من النجاح بينما الطريق الحقيقي للنجاح هو بذل الجهد والاجتهاد وإن ما نحصل عليه دون جهد أو ثمن فليس ذي قيمة.. لا تحسبن المجد تمرا أنت آكله لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا (الجهد المبذول تسعة أعشار النجاح )

11خطوة للاستعداد للمذاكرة :

1- اخلص النية لله واجعل طلب العلم عبادة.

2- تذكر دائما أن التوفيق من الله والأسباب من الإنسان

3- احذف كلمة " سوف " من حياتك ولا تؤجل .

4- أحذر الإيحاءات السلبية :أنا فاشل - المادة صعبة ..

5- ثق بتوفيق الله وابذل الأسباب.

6- ثق في أهمية العلم وتعلمه.

7- أحذر رفقاء السوء وقتلة الوقت ..

8- نظم كراستك ترتاح مذاكرتك ..

9- أد واجباتك وراجع يوما بيوم..

10- تزود بأحسن الوقود ..(أفضل التغذية أكثر من الفواكه والخضراوات وامتنع عن الأكلات السريعة ..)

11- لا تذاكر أبدا وأنت مرهق ..

نظم وقتك :

1- تذكر أن أحسن طريقة لاستغلال الوقت أن تبدأ الآن.!!

2- حدد أولوياتك الدراسية وفق الوقت المتاح.

3- ضع جدولا يوميا - أسبوعيا لتنظيم الوقت والأولويات .

4- تنظيم الوقت : رغبة + إرادة + ممارسة + جهد = متــعـة.

من طرق تقوية الذاكرة :

1- الفهم أولا..يساعد على الحفظ والتخزين ..

2- استذكر موضوعات متكاملة .

3- الترابط بين ما تستذكر وما لديك من معلومات يقوي الذاكرة..

4- الصحة بشكل عام عامل أساسي لتقوية الذاكرة:

النوم المريح - غذاء متكامل - الرياضة البدنية - الحالة النفسية التفاؤل - الاسترخاء - التعامل مع الناس ...

5- خلق الاهتمام - الفرح - حب الاستطلاع - التمعن -التركيز الفكري - كلها وسائل لتقوية ذاكرتك.

6- تصنيف المواد حسب المواضيع وحسب البساطة والصعوبة يسهل عملية الاستذكار.

من أجل حفظ متقن :

1- صمم على تسميع ما ستحفظ .(استمع لنفسك )

2- افهم ثم احفظ.

3- قسم النص إلى وحدات ثم احفظ.

4- وزع الحفظ على فترات زمنية.

5- كرر ثم كرر ...كرر..

6- اعتمد على أكثر من حاسة في الحفظ. 10% تقرأ -20% تسمع -30% ترى -50%ترى وتسمع -80%مما تقوله -90% تقوا وتفعل -) ارسم صورا تخطيطية - لوّن بعض الرسوم أو الفقرات الرئيسية-

7- لا تؤجل الحفظ - أسرع إلى الحفظ.

8- قاوم النسيان ودعم التذكر.(الحماس-الراحة- التخيل والربط-التكرار-التلخيص- المذاكرة قبل النوم..)

9- تجنب المعاصي. شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي

حوار هادئ مع الشباب

خطوات نحو النجاح الدراسي

د. مصطفى ابوسعد - دكتور نفساني مختص في التربية والبرمجة اللغوية العصبية - الكويت




 الموقع التربوي و التعليمي المغربي

تابع القراءة »»

وظائف تحديد الأهداف

.
0 commentaires



 الموقع التربوي و التعليمي المغربي



يتفق الباحثون على ضرورة تحديد الأهداف وضبطها سوء من طرف السلطات التربوية أو من طرف المدرسين أنفسهم، وصياغتها وإعلانها بكيفية صريحة وواضحة، لما لذلك من إيجابيات سنعمل على تلخيصها فيما سيأتي من فقرات، ولكن قبل ذلك سنعرض واقعة قد تحث القارئ على التأمل ليس في تقنيات تحديد الأهداف وصياغتها فحسب، بل في أهمية ذلك من حيث المبدأ:

وهي حكاية التلميذ الذي حصل على جائزة التقدير من ثانويته بعد إنجازه في اختبار للتربية الوطنية والخلقية وتحريره لإنشاء جيد في هذه المادة الدراسية، والذي سيتم إلقاء القبض عليه في اليوم الموالي لتوزيع الجوائز، بعد أن كسر زجاج إحدى نوافذ الثانوية.

إن النتيجة الأولية التي يمكن استخلاصها من هذه الواقعة وهي أن التلميذ ربما تعلم " الكثير عن المواطنة الصالحة وربما "حصل" الكثير عن الأخلاق الحميدة في دروسه، مما بوأه المرتبة الأولى في هذه المادة فاستحق جائزة التشجيع، ولكن لاشيء يدل على أن تلك الأخلاق المستهدفة فد رسخت في سلوكه.

إن الأستاذ سيصاب بخيبة أمل، فقد اعتقل تلميذه المجتهد والذي "استوعب" معنى المواطنة الصالحة وكان بإمكانه أن يكتب عنها موضوعا جيدا، اعتقل نظرا لسلوكه وخلقه المشين.

والحقيقة أنه ليس على المدرس أن يخيب ويحزن هذه حالة من ألف حالة يمكن أن نشاهدها في الحياة المدرسية اليومية. إن الأطفال يتعلمون ما يدرس لهم، ويلقنون المواضيع المقررة في التربية الخلقية وربما حفظوا كل ما يرتبط بهذه المادة، ولكن وعلى ما يبدو فإن ذلك لا يترك أثر كبير في سلوكهم. ولا أحد يشك أن الأستاذ كان يهدف إعداد أفراد طيبين متخلقين ومواطنين صالحين ولكنه لم يبلغ المراد. لماذا؟ ذلك لأن طرق المدرس والأساليب التي اتبعها في إنجازه للدروس لم يكن لها أدنى علاقة بالأهداف المقترحة والغايات المرجوة. إن وضع الاختبار الكتابي ليس مصدر كافيا لتقويم السلوك الصالح في هذه الحالة.

والحقيق أن مئات المدرسين سيخيب ظنهم كل سنة إذا انتبهوا إلى أن تلاميذهم يتعلمون أمورا مختلفة تماما عن الأهداف التي تصوروها لتدريسهم واعتقدوا في صلاحيتها وفي ضرورة بلوغها. فكثيرا ما يشتكي بعض أساتذة اللغة على سبيل المثال، من كون تلاميذهم لم يتقدموا في تعلمهم اللغة مع تركيزهم تعليم القواعد النحوية والصرفية، ولكن قلما ينتبهون إلى أن تعليم القواعد ليس هو تعليم اللغة. إن تعليم القواعد هو تعليم لقواعد اللغة، ليس إلا. ذلك أن أهم الجوانب التي يجب التركيز عليها في نشاط التدريس هو بالضبط اختيار وتحديد الأهداف التربوية بعناية وتشخيصها وتوضيحها. وبعدها اختيار ما يلائم من طرق ووسائل واتباع الأسلوب المفيد في تقويم السلوك النهائي للتلميذ والذي ينبغي أن يكون مطابقا للأهداف المحددة سلفا.

إن هذا المثال يثبت ضرورة إعادة النظر في تعريف الأهداف التربوية. إن الأهداف لا تعني أن يتعلم ويحفظ التلميذ الدروس وينتهي كل شيء، بل إن الأهداف هي أن يشخص ذلك الذي تعلمه وحفظه وأن يتجسد في سلوكه ويندمج في شخصيته وينطبع في ذهنه ويكون بالإمكان ملاحظته وقياسه وتقويمه أو على الأقل ملاحظة مؤشراته من خلال ما ينجزه المتعلم.

بناء على هذه الملاحظات يمكن استخلاص مزايا تحديد الأهداف التربوية على الشكل التالي:

- الانسجام بين مكونات التدريس

لعل أهم ميزة لهذا النموذج الذي يدعو للتدريس بالأهداف، في ما يتصف به من شمول، بحيث يقدم نظرة متكاملة لجميع مكونات التعليم وحلولا لمختلف القضايا التي تطرح على المدرس داخل القسم. الأمر الذي لا يتوفر في غيره من النماذج. وتبدو هذه النظرة الشمولية في تعامله مع المنهاج الدارسي, ذلك أن لأهداف التربوية تعتبر بوصلة للعملية التعليمية برمتها. وبدل المحتويات كما في النموذج التقليدي، يصبح الأهداف دليل المسؤولين والمفتشين والمدرسين عند وضعهم للبرامج وتخطيطهم للمناهج الدراسية. ذلك لأنها وكما رأينا، تصرح مبدئيا بالنتائج المأمولة. الأمر الذي يشكل مرتكزا أساسيا لحدوث الانسجام بين جميع مكونات النشاط التعليمي من طرق ووسائل وتقنيات التحضير وتمارين التعلم وغيرها.

كما أن الأهداف تمكن المدرسين من اختيار المحتويات المناسبة والطرق الملائمة. كما تصلح كمعيار لاختيار الوسائل الديداكتيكية الملائمة: النصوص والمراجع والوثائق والأشرطة والأدوات السمعية البصرية..وغيرها من وسائل التعزيز والإيضاح.

- التواصل:

إن أهم خدمة يمكن أن يقدمها هذا النموذج هو سيادة الوضوح والشفافية بين مختلف أطراف العملية التعليمية. فتعود كل من المدرس والتلميذ التفكير والتعبير والعمل، بحيث تأخد كل كلمة معناها الدقيق وكل جملة دلالتها الصحيحة. فيهجر الجميع الاستعمالات الفضفاضة التي تعني كل شيء ولا شيء والتي تقبل أكثر من فهم وأكثر من تأويل. وقد تكون هذه الخاصية كافية للدفاع عن هذا النموذج.

إن الوضوح المتمثل في تحديد الأهداف التربوية وصياغتها في عبارات واضحة يسهل التواصل بين مختلف الأطراف: بين المدرس والتلاميذ وبينه وبين زملائه وبينه وبين الآباء، كما يسهل التفاهم بين المدرسة وأولياء الأمور وما إلى ذلك من علاقات. إن الأهداف هي بالضبط ما يجمع هؤلاء ويوحدهم في عمل مشترك، هي عبارة عن ميثاق وعقد للجماعة بأسرها.

فمثلا يعرف كل من المدرس والتلاميذ ما هو مطلوب وماذا ينتظر منهم، مما يجعلهم يوفرون الوقت والجهد اللذين يمكن ضياعهما في أنشطة لا تفيد ولا ترتبط بتحقيق الأهداف بشكل مباشر. كما لا يرهق التلميذ نفسه في محاولة تخمين، انطلاقا من أقوال المدرس وتلميحاته، المواضيع المهمة والتي يجب تعلمها والتركيز عليها لتهيء الامتحان. كما تختفي بواعث القلق والخوف والتي عادة ما ترافق مثل هذه المواقف التي يجهل التلميذ فيها ما هو المهم وما هو المطلوب.

إن المدرسين في النماذج التقليدية، عادة ما يلجأون إلى لعبة " خمن موضوع الانتحان" ولكن قلما يوضحون لتلاميذهم الهدف المطلوب إنجازه ليس للتفوق في الامتحان فحسب، بل للتفوق في كل المواقف المشابهة، والتي سيحتاجون فيها إلى توظيف سلوكهم المكتسب.

وكلنا يعرف مدى الارتباك الذي يعاني منه بعض المدرسين أنفسهم، عندما يتقدمون لبعض المباريات للترسيم أو للالتحاق المباشر بهيئة التفتيش. وعندما يواجهون بنصوص تربوية ويطالبون بتحليلها والتي عادة ما تذيل بالعبارة الشهيرة: "حلل وناقش". فما معنى تحليل النصوص وما هي مقتضياته بل وما حجمه، فهذه أمور تترك للحدس والتخمين. هذا بالضبط ما يحصل للتلاميذ عندما لا يدركون المطلوب منهم، وماذا ينتظره المدرس وماذا تنتظره المدرسة ومن خلالها النظام التعليمي. أي عندما لا تحدد الأهداف بما فيه الكفاية.

- التقويم

كما تعتبر الاهداف المطلقات الضرورية في عملية التقويم. سواء تقويم التلاميذ أو تقويم النشاط التعليمي برمته. إن الأهداف تشكل معايير التقويم، ذلك أن تقويم التعلم يكمن بالضبط في التأكد من مدى تحقق الاهداف. فإذا قلت مثلا: "إنني سأجعل من هذا التلميذ رياضيا بارعا" فهذا جميل ولكن ما معنى رياضيا وما معنى بارعا، ثم كيف أتحقق من أنه أصبح بارعا أو بطلا وكيف أقوم ذلك؟ لكن إذا حددت هدفي أكثر وفي عبارات بسيطة وواضحة، كأن أقول إنني "سأجعل تلميذي قادرا على القفز على علو 5 أمتار باستعمال الزانة، فهذا الهدف المحدد يصبح هو نفسه مقياسا للتأكد ومن حصوله وذلك عندما نطلب من هذا التلميذ القفز على العلو. فإذا تم له ذلك أمام الأنظار، نقول لقد تحقق الهدف وإلا فسيعيد الكرة أو أعدناه للتدريب".

كما تساعد الأهداف المدرسين وكل المهتمين على وضع الأسئلة وصياغة بنود الاختبارات والتي تقيس مدى تحصيل التلميذ، كما تقيس بكيفية دقيقة مختلف التغيرات التي تحدث في سلوكه من جراء ذلك التحصيل. وهكذا نلاحظ مدى الفعالية المميزة لهذا النموذج على الأقل من الناحية النظرية.

إننا كثيرا ما نقرأ صياغات عامة وفضفاضة في بعض البرامج والتوجيهات التي توزع على المفتشين أو على المدرسي، والتي تكون متبوعة مباشرة بلائحة المواد الدراسية والمواضيع المقررة وبعض الأنشطة التعليمية لإنجازها، وتذيل في أحسن الأحوال ببعض التوجيهات لما ينبغي للمدرس أن يقوم به..ولكن كثيرا ما يغيب عن تلك المطبوعات(الكتيبات) بيان العلاقة بين الأهداف والغايات العامة وبين المحتويات الدراسية، أي ليس هناك ما يبرر وجود هذا الموضوع أو ذاك لتحقيق الأهداف المذكورة في مستهل المطبوع. كما يتم تغييب نوع السلوك الذي سيكتسبه التلميذ عند الانتهاء من هذه الحصة أو من هذا الدرس وعند تحصيل هذه المادة أو ذلك الموضوع, وانطلاقا من هذه الملاحظة فإن تلك الصياغات العامة للأهداف لا تسهل عملية قياس وتقويم النتائج.

وعلى سبيل المثال يذكر بلومB.Bloom بوثيقة نشرت في الولايات المتحدة الأمريكية في أوائل الخمسينات، تقول الوثيقة الرسمية في صياغتها لهدف تربوي:

" أن يتفهم التلميذ أفكار الآخرين

ويعبر عن أفكاره بكيفية متميزة وواضحة"

ويعقب بلوم على هذا النوع من الصياغات:

"بأن النتائج التي يقترحها هذا الهدف..غنية إلى درجة أننا لا نتبين بوضوح الطرق التربوية التي يمكن اتباعها لبلوغها. ومن جهة ثانية فإن اختيار وسائل القياس والتي يمكن من تحديد المهارات المكتسبة من طرف التلاميذ، يبقى صعب المنال"

ومسايرة لمثل هذه التوجيهات، بدأنا نلاحظ اختفاء الصياغات العامة في تعريف الأهداف وأصبحت تهجر من طرف المدرسين، مثل: "الفكر النقدي"، "حل المشاكل" "تطوير العمليات العقلية العليا" "الذوق الموسيقي"...

إن هذه الجمل ليست خاطئة بل يمكن استخدامها في تعريف الأهداف العامة ومواصفات التعليم ولكنها لا تصلح لوصف الأهداف الدراسية الخاصة كما أنها تبقى بعيدة عما يتوفر لدينا من أساليب القياس والتقويم.




 الموقع التربوي و التعليمي المغربي

تابع القراءة »»

تحديد الأهداف التربوية: الجيل الأول

.
0 commentaires



 الموقع التربوي و التعليمي المغربي


مدخل عام

لا يشكل مدخل الكفايات في التعليم منظورا مستقلا عن منظور التدريس الهادف، بل هو نموذج من نماذجه ويندرج ضمن ما يعرف بصفة عامة ببيداغوجية الأهداف. إنه مجرد حركة تصحيحية داخل هذه البيداغوجية يعمل لتجاوز الانتقادات، على تصحيح ما أصابها من انحراف، جعلها تنغلق في النزعة الإجرائية –السلوكية وتنحرف بالتالي بالفعل التربوي، إلى فعل آلي تعودي وإلى رد فعل إشراطي يعدم الخصوصية والتميز ويستبعد التفكير الابتكاري.

ونشير بهذا الصدد، أنه خلال الفترة الممتدة من سنة 1975 إلى 1980، تبلورت شيئا فشيئا، فكرة ضرورة تجاوز بيداغوجية الأهداف القائمة على السلوكية. دون أن يعني ذلك نكران المكتسبات الحاسمة التي حققتها هذه البيداغوجية على مستوى البحث والعمل التربوي، ودون أن يعني ذلك العودة إلى العشوائية أو الضبابية في الممارسة التعليمية. لكن فكرة التجاوز تعني أساسا الوعي بمحدودية النموذج و بالانحراف الممكن للتيار السلوكي.




 الموقع التربوي و التعليمي المغربي

تابع القراءة »»